الأربعاء، 16 يوليو 2008

مشاهد من كابول: الشبان فريسة للمخدرات

صبيان يدخنان الحشيش
يتأثرون ببعضهم في تعاطي المخدرات

علي بعد أقل من كيلو متر واحد من مبني البرلمان الأفغاني يحتشد كثير من مدمني المخدرات في المبني المدمر الذي كان مركزا ثقافيا للإتحاد السوفياتي السابق. رائحة المخدرات تفوح من هذا المبني، وأجواء البعد الكامل عن العالم تسيطر على من داخل المبنى.

وعندما وصلت إلي المبنى رأيت جثة مدمن كان اناس ينقلونها إلى مكان أخر.

رأيت عددا من المدمنين في المكان تعلو وجوههم صفرة الموت ولا يدل على انهم لا يزالون على قيد الحياة سوى النفس وتلك الحركة البطيئة.

و لعل عبد الجليل البالغ من العمر أربعين عاما هو أفضلهم حالا . الجسم النحيف و الوجه الأسود و الشعر الابيض خير شاهد علي ما فعله خلال العشرين عاما الماضية . فقد بدأ باستهلاك المخدرات قبل عقدين و هو في إيران. وعندما سألته لماذا لا يزال يدخن الهيروين أجابني بعد أن أخذ نفسا طويلا: " الحياة نعمة للإنسان اما نحن فبالكاد لا نزال على قيد الحياة. رجعنا من إيران آملين في أن الحكومة الجديدة قد تتعاون معنا لكنها لم تفعل شيئا".

لذلك لم يبق عبدالجليل علي حاله السابق بل أصبحت المنازل المدمرة مسكنه المفضل لأنه حسب قوله لم يجد لنفسه عملا بعد أن كان موظفا في الحكومة الأفغانية قبل عشرين عاما.

خرجت من المبني و اتجهت نحو مركز لعلاج المدمنين . هذا المركز الذي يسمي بمركز النجاة يقع على بعد عدة أمتار من المبني المدمر الذي أصبح حانة يرتادها مدمنو المخدرات.

عند البوابة الريسية رأيت عجوزا تتسول من موظفي المركز لتتمكن من علاج ابنها الذي لم يتجاوز السابعة عشر من عمره .سألتها عن سبب إدمان ابنها فقالت: "لم نكن نعلم أنه كان يدخن الحشيش في مدينة كابول. و لما علمت بذلك أرسلته إلى منزل أخته في إقليم هلمند ليبتعد عن رفاق السوء. لكنه تعود في هلمند علي شرب الهيروين".

يدخن الحشيش
البطالة من أسباب اللجوء للنخدرات

إبنها الذي يدعي عبد المعروف كان تلميذا في الصف التاسع في مدينة كابول ويقول عن تعاطيه المخدرات : "كنت أدخن السجائر هنا في كابل. و لكن أرسلتني أمي إلي هلمند لأبتعد عن زملائي و لأعمل في الحقول. بدأت مع زوج أختي العمل في حقول الخشخاش وفي مصانع الهيروين ومن ثم بدأت بتدخين الهيروين هناك".

ومع وجود آلاف قوات الناتو خصوصا قوات بريطانية في إقليم هلمند يعد هذا الإقليم مركزا أسياسيا لإنتاج الخشاش و لمصانع الهيروين.

عندما سألت المدمنين حول كيفية حصول المخدرات في العاصمة قال لي بعضهم إن هناك مسلحين لديهم كمية كبيرة من المخدرات وهؤلاء المسلحون تجدهم في أماكن متعددة من المدينة.

تعددت الأسباب

وإذا كان جليس السوء قد اغرى عبد المعروف بتعاطي المخدرات فإن عبد الغفار البالغ من العمر خمسين عاما أجبرته البطالة على تدخين المخدرات في باكستان بعدما ترك منزله في أفغانستان بسبب الأوضاع الأمنية السيئة. ويقول عبد الغفار: "عندما ذهبنا إلي باكستان مع الأسرة بسبب عدم وجود أية وظيفة وبسبب الفقر بدأت بتدخين الهيروين، أحيانا كنت أبيع اثاث المنزل و كنت أحيانا أعمل لأجد مبلغا لشراء الهيروين".

يؤكد الدكتور طارق سليمان مدير مركز النجاة أن الفقر والبطالة قد أجبرا الكثيرين من المدمنين على تعاطي المخدرات ويوضح: "نحن نعالج في كل شهر حوالي عشرين مدمنا لكن بعضهم يضطرون مرة أخري لتعاطي المخدرات و ذلك لعدم وجود أعمال مناسبة لهم".

يدخن الحشيش
آفة المخدرات تدمر حياة الشبان ومستقبلهم

أما الحروب التي استمرت لأكثر من ثلاثين عاما و التي أكلت الأخضر و اليابس فقد هيئت الأوضاع لاستهلاك المخدرات بشكل كثيف. ويقول نادر أفضلي المتحدث باسم وزارة مكافحة المخدرات في كابول: "كما تعلمون منذ أكثر من ثلاثين عاما يواجه المدنيون حروبا قاسية كما يعانون من الفقر القاتل. لذلك اتجه عدد كبير منهم إلي البلدان المجاورة. ومع الأسف الشديد أن ظاهرة استعمال المخدرات كانت موجودة في تلك البلدان. فاتجه عدد من الأفغان إلي استعمال المخدرات ومن ثم عندما رجعوا إلي بلدهم بقوا علي احوالهم السابقة بشان تعاطي المخدرات".

يذكر أن مليون ونصف المليون من أصل ثلاثين ملايين نسمة من الأفغان سجلوا في قائمة متعاطي المخدرات في هذا العام حسب الإحصائيات الحكومية بينما قالت الحكومة الأفغانية العام الماضي إن عدد المدمنين لا يتجاوز مليونا.

ويري المراقبون أن الأوضاع الأمنية و الفقر يلعبان دورا أسياسيا في توجه الناس نحو المخدرات.

وإذا كان أفغانستان ينتج حوالي تسعين في المأة من مخدرات العالم كله , فإن الأوضاع الأمنية السيئة قد تتيح الفرصة للفلاحين الذين لا يجدون وسيلة أخرى لكسب الرزق، الا زرع المخدرات في حقول جديدة.




ليست هناك تعليقات: