الجمعة، 25 يوليو 2008

في ذكرى أحداث 11/9.. هل خسرت أمريكا حربها على الإرهاب؟

تقرير: عبدالحليم حزين

هجمات 11 سبتمبر أشعلت فتي الحرب على الإرهاب.
هجمات 11 سبتمبر أشعلت فتي الحرب على الإرهاب.

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" في واشنطن، دخلت الولايات المتحدة، ومن ورائها باقي دول العالم، في حرب أطلقت عليها اسم "الحرب على الإرهاب".

وبعد مرور ستة أعوام على هذه الحرب، تبدو الصورة قاتمة أكثر مما كانت عليه في البداية، إذ اتسعت رقعة الحرب وتناثرت، بعد أن كانت محصورة في أفغانستان، الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة إبان حكم نظام طالبان، وامتدت من إندونيسيا شرقاً حتى الولايات المتحدة غرباً، مروراً بالعراق والسعودية، وعدد من الدول الأوروبية.

أدى اتساع نطاق "الحرب على الإرهاب" بالمقابل إلى توسّع في الأهداف المطلوب تحقيقها من أجل استئصال "الإرهاب"، واشتداد ضراوتها، وبالتالي ارتفاع "فاتورة" الحرب البشرية والمالية، ناهيك عن السياسية.(انظر ملف عام على أحداث 11 سبتمبر)

الرئيس الأمريكي جورج بوش، حذر شعبه في الذكرى الخامسة لهجمات 11/9 من "طريق صعب" يتعين اجتيازه في الحرب العالمية على الإرهاب، وقال، إن تلك الحرب مع الإرهابيين لن تنتهي حتى يخرج منتصراً.

وقال بوش: "إن الحرب ضد العدو هي أكثر من مجرد عمل عسكري.. إنها صراع أيديولوجي حاسم" من أجل القرن الحادي والعشرين، والأجيال القادمة.

وأعلن بوش أن "أعداء خطرين أفصحوا عن نواياهم لتدمير حياتنا، وهم ليسوا أول من حاول ذلك، ومصيرهم سيكون مثل مصير من سبقوهم."

وحذر من أنه "إذا لم نهزم هؤلاء الأعداء، فإننا سندع أطفالنا في مواجهة شرق أوسط تحكمه دول إرهابية وأنظمة ديكتاتورية متطرفة مسلحة بالأسلحة النووية."

وحدد بوش أعداء الولايات المتحدة، قائلا إنهم "شبكة عالمية من الإرهابيين.. تقودها رؤية رجعية للإسلام."

على أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، وبعد أن امتدت رقعة الحرب على الإرهاب.. هل من أفق ومستقبل يبشر بانتصار أي من الطرفين؟

يمكن القول، إنه بعد الضربات الثلاثة الكبيرة، أي الهجمة الأولى في 11 سبتمبر/ أيلول، وغزو أفغانستان والحرب على العراق، وما تلاها من ضربات ومعارك هنا وهناك، تشير إلى استحالة انتصار أي من الطرفين على الآخر.

والسبب في ذلك يعود إلى أن جيوشاً نظامية تخوض حرباً غير تقليدية ضد "أعداء مجهولين يؤمنون بعقيدة دينية"، تضع مفهوم "الشهادة والاستشهاد" نصب عينيها.

فالحرب على الإرهاب، أفرزت العديد من الخلايا التي تستلهم فكرها من تنظيم القاعدة، ناهيك عن بروز عدد من التنظيمات التي ربطت نفسها بالتنظيم وزعيمه، أسامة بن لادن، وهو ما سنتطرق له لاحقاً، مما يعني أن تلك الحرب مازالت في مرحلة غير واضحة المعالم، ومستقبلها مازال مجهولاً.

أمريكا والعالم أكثر أمنا؟

على أنه بعد مرور ست سنوات صعبة على الحرب على الإرهاب، وظهور تصريحات عديدة حول جدوى ما تم "إنجازه" بالفعل في هذه الحرب، وبخاصة من قبل الإدارة الأمريكية، المعنية الأولى في الحرب.. فهل يا ترى أصبحت الولايات المتحدة والعالم أكثر أمناً؟

من يقرأ الأحداث كما هي، ربما يستطيع القول إن الولايات المتحدة حققت نوعاً من الأمن والأمان في هذه الحرب.

لكن هذا القول بالطبع مشروط.. إذ لم يعلن تنظيم القاعدة تنفيذ أي هجوم داخل الأراضي الأمريكية.. ونحن لا نعلم إذا كان "لم يقدم على ذلك لرغبة في نفسه"، أم أن اتساع نطاق الحرب على الإرهاب هو السبب في ذلك.

قراءة الأحداث حول هذه الحرب على الإرهاب، تشير إلى عدم وقوع "عملية إرهابية" حقيقية واحدة على الأراضي الأمريكية، رغم إعلانات كثيرة حول احتمال وقوعها، يرافقه إعلان رفع حالات التأهب بين الفينة والأخرى.

فمؤخراً، وتحديداً في الحادي عشر من أغسطس/آب، شددت السلطات الأمريكية الإجراءات الأمنية في المناطق الحيوية بمدينة نيويورك، خاصة الجسور وأنفاق القطارات، إثر تهديد بهجوم إشعاعي، رغم تشكك الأجهزة الأمنية المحلية والفيدرالية في مصداقية التهديد، الذي نشر في مواقع إلكترونية تابعة لتنظيم القاعدة.(التفاصيل)

إجمالاً، يمكن القول إن انخفاض احتمال وقوع هجمات إرهابية على الأرض الأمريكية اقترن بوقوع عمليات دامية في مناطق مختلفة من العالم، مثل حادثة تفجير قطارات مدريد، وضرب شبكة المواصلات في لندن أو محاولات شن هجمات إرهابية في بريطانيا، مثل حادثة مطار غلاسكو الأخيرة، واستمرار المعارك في أفغانستان والعراق، ناهيك عن الأحداث التي وقعت في إندونيسيا والسعودية مصر والأردن الجزائر والمغرب.

ولا يكاد يمر يوم حتى ترد أخبار بالقبض على شبكة إرهابية في هذه الدولة أو تلك، مثل ما حدث في ألمانيا والدنمارك مؤخراً.

من هنا، نجد أن الحرب على الإرهاب جعلت العالم أقل أمناً، على الأقل حتى الآن، رغم أن المواطن الأمريكي أصبح أكثر أمناً.(انظر ملف: شبح القاعدة إلى أين؟)

بالتالي، ربما يمكن اعتبار شن الحرب على الإرهاب في الخارج، (أي خارج الولايات المتحدة) حققت جزءاً من أهدافها.. ولكن ماذا عن التكلفة؟

مع مرور ستة أعوام على بدء الحرب على الإرهاب، لا شك أن التكلفة بشرياً ومالياً وسياسياً كانت باهظة للغاية، مع استمرار تغذية الإرهاب والحرب المضادة للإرهاب.

فمن حيث الخسائر البشرية، وإلى جانب ضحايا الهجمات نفسها، والذين قدر عددهم بأكثر من 3000 قتيل، سقط أكثر من مثلهم من الجنود الأمريكيين في حربي أفغانستان والعراق، عدا المدنيين الذين ذهبوا ضحايا الحروب، ويقدرون بمئات الألوف في العراق وحده، إلى جانب الهجمات المختلفة في أكثر من منطقة، مثل منتجع بالي في إندونيسيا وهجمات مدريد ولندن، ناهيك عن بعض الحوادث الأخرى في اليمن، كحادثة المدمرة "كول" والصومال وغيرها.

مالياً، تطلب الإدارة الأمريكية مليارات الدولارات لإنفاقها على الحروب المتواصلة في أفغانستان والعراق، عدا تمويل العمليات المختلفة في كثير من دول العالم، لمواجهة هذا "الإرهاب".

سياسياً، يمكن القول إن عدداً من الرؤوس سقطت بسبب الحرب على الإرهاب، لعل أبرزها، رئيس الوزراء البريطاني السابق، طوني بلير، ووزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد، فيما تتواصل شعبية الرئيس بوش في الانخفاض، وكذا الحزب الجمهوري، الذي خسر في الانتخابات الأمريكية النصفية الأخيرة.

أهداف لم تتحقق في الحرب على الإرهاب!

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، أعلن الرئيس بوش عن مجموعة من الأهداف التي ينبغي تحقيقها في الحرب على الإرهاب.. فخاض أولى هذه الحروب، بغزو أفغانستان، وهو ما أدى إلى سقوط نظام طالبان، وإقامة حكومة أفغانية برئاسة حميد كرزاي.

كما خاض حرباً ثانية في العراق، أسفرت عن سقوط نظام صدام حسين، ومحاكمته ومن ثم إعدامه.

إلى جانب ذلك أعلنت الولايات المتحدة عن تحقيق بعض التقدم، بعد القبض على الرجل الذي خطط للهجمات في القاعدة، خالد شيخ أحمد، وعدد من قيادات التنظيم.

لكن هل هذه "الإنجازات" تشكل ركناً أساسياً في حرب بوش والعالم على الإرهاب؟

معروف أن تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن وذراعه الأيمن، أيمن الظواهري، اعتبر المشتبه الأول في الهجمات التي ضربت نيويورك وواشنطن. رغم الضربات التي تلقاها التنظيم بتشتيت عناصره، وطردهم من أفغانستان، إلا أن عدم تمكن القوات الأمريكية وقوات التحالف، إلى جانب القوات الأفغانية، من الإيقاع ببن لادن أو الظواهري، يمكن أن تشكل ضربة للجهود الدولية في الحرب على الإرهاب، بحسب بعض المحللين.

ويرى مراقبون أنه نظراً لأن بن لادن والظواهري يشكلان العمود الفقري للتنظيم، فإن عدم المساس بهما يظل بمثابة صفعة للجهود الأمريكية في القضاء على التنظيم وفكره، الذي بات يغذي جماعات أخرى في مناطق مختلفة من العالم، وتحديداً في باكستان والسعودية ومصر والمغرب العربي وبريطانيا.

ومع مرور أكثر من أربعة أعوام على الحرب على العراق، وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين، والقضاء على مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، ورغم سقوط ما يزيد على 3763 قتيلاً أمريكياً (حتى الاثنين 10/9).. ورغم الدعوات المتزايدة في الولايات المتحدة بضرورة وضع جدول زمني محدد للإنسحاب في أقرب فرصة ممكنة (للمزيد من التفاصيل).. كذلك رغم مليارات الدولارات التي يتم تخصيصها لهذه الحرب، فإن الوجود الأمريكي في العراق أشبه بالسقوط في مستنقع يصعب الخروج منه، حسب أحد المراقبين العرب.

تفريخ القاعدة

هذا على ساحتي الصراع الأساسيتين، ولكن ماذا عن ساحات الصراع الفرعية.. أي في أوروبا وآسيا وأفريقيا؟

فقد حث وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس خلال كلمته أمام قمة الأمن الآسيوية السادسة في سنغافورة مؤخراً، دول آسيا على تعزيز التعاون الإقليمي للتصدي للإرهاب الدولي قائلاً إن الشبكات الإرهابية في توسع متواصل وأن العالم لم يحرز نجاحاً كافياً في معالجة جذور الإرهاب.

وركزت كلمة غيتس، خلال القمة التي عرفت أيضاً بحوار شانغريلا، على محاولة حشد تحالف دولي دائم لمواجهة الإرهاب، وأشار فيها قائلاً: "إن التحديات التي يمثلها الإرهاب المستمد من الأيديولوجية المتشددة لا تستطيع أي دولة بمفردها التصدي له- بغض النظر عن مدى ثرواتها أو قواها."(التفاصيل)

إن من شأن ظهور جماعات أو "خلايا" تستلهم فكر القاعدة في دول كثيرة من العالم، أن يطيل من أمد هذه الحرب.

ففي بريطانيا، تستلهم الجماعات التي نفذت هجمات ضد شبكة المواصلات في لندن، فكرها من فكر القاعدة، وكذلك الحال مع "خلية الأطباء" التي حاولت ضرب مطار غلاسكو.

ورغم المحاكمة التي أقيمت في مدريد لأكبر خلية للقاعدة في أوروبا، إلا أنه لم يتضح حتى اللحظة ما إذا كانت تلك الخلية تابعة للتنظيم أم أنها استلهمت فكره.(لمزيد من التفاصيل)

على أن الأبرز في هذه الأحداث تلك التنظيمات التي تشكلت في دول أخرى، ثم ارتبطت بالقاعدة، في عملية أشبه بالتفريخ.

لعل أهمها، تنظيم القاعدة في العراق، والسعودية والأردن، وأخيراً في المغرب العربي، الذي أصبح اسمه "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي".

ففي السعودية، وجه تنظيم القاعدة بعض الضربات القوية، بيد أنه تلقى ضربة أقوى مع استمرار عمليات الاعتقال للخلايا والأعضاء، ومقتل عدد منهم، سواء في عمليات مسلحة أو أثناء مطاردات.

أما في مصر، فقد وجه أكثر من تنظيم عدة ضربات قوية لتجمعات، معظمها سياحية، في شبه جزيرة سيناء، حيث أكد مراقبون على أن الجماعة التي تنفذ مثل هذه الهجمات مرتبطة بالقاعدة فكراً، رغم ظهور تقارير غير مؤكدة تقول إنها (الجماعات) انضمت للقاعدة.

وفي إندونيسيا، تعرضت بعض الأماكن لهجمات شنها مسلحون متشددون يعتقد بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وكذلك عناصر من "جماعات متشددة"، غير مرتبطة بالقاعدة فكراً، لكن لديها أيديولوجيا مماثلة تقريباً.

وفي باكستان، وهي الدولة الأكثر أهمية لتنظيم القاعدة وللولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، تشير تقارير كثيرة إلى أن بعض قيادات القاعدة استقرت هناك بعد طردها من أفغانستان، وأنها وجدت الملاذ الآمن في مناطق القبائل، القريبة من الحدود الأفغانية الباكستانية.(انظر موضوع: القاعدة لاند)

وكانت القوات الحكومية الباكستانية قد شنت العديد من الهجمات ضد عناصر في تلك المناطق أسفرت عن مقتل عدد من قيادات القاعدة، إلا أنها فشلت في استئصال التنظيم، بسبب الدعم الذي يلقاه من القبائل الباكستانية المنتشرة في تلك المنطقة.(لمزيد من التفاصيل)

وبلغت التطورات في هذا الخصوص ذروتها عندما طالب المرشح الرئاسي الأمريكي، باراك أوباما، وعدد من أعضاء الكونغرس، بشن ضربات ضد المناطق التي ينتشر فيها التنظيم في باكستان، وهو ما هدد به بوش أيضاً لاحقاً، الأمر الذي أثار حفيظة باكستان وغضبها.

وإلى لبنان، وتحديدا في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، حيث المعارك التي أندلعت في العشرين من مايو/أيار الماضي بين الجيش اللبناني وعناصر تنظيم "فتح الإسلام"، حيث أثارت هذه المعارك جدلاً حول مدى ارتباط التنظيم بالقاعدة، وذلك بعد اكتشاف انتماء أعداد كبيرة من المسلمين والعرب له، إثر القبض على بعضهم، ومقتل البعض الآخر.

غير أن اكتساح الجيش للمخيم، في الثاني من سبتمبر/أيلول الحالي، والقضاء على معظم عناصر التنظيم في المنطقة، يُبعد، ولو إلى حين، عودة القاعدة إلى لبنان، رغم وجود بعض المؤشرات على وجود تنظيمات منتشرة في المخيمات الفلسطينية تستلهم فكر "القاعدة".(انظر التقرير الأخير حول هذه التنظيمات والموضوعات ذات العلاقة)

وماذا بعد؟

إن المتتبع للأحداث العربية والدولية، وما يتعلق بتنظيم القاعدة والحرب على الإرهاب، واتساع رقعة هذه الحرب، لا بد أن يتساءل بعد مرور ست سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، إلى أين تتجه الأمور؟

ويتساءل البعض، ترى إذا لم تتمكن الولايات المتحدة، بكل قوتها وجبروتها العسكري، وكذلك حلف الناتو، من حسم المعركة في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فما مصير هذه الحرب؟ وإلى أين تتجه؟

لعل السؤال الأبرز: هل سيكون هناك خاسر أو منتصر في هذه الحرب؟ وهل من أفق حول متى ستنتهي؟

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية في العام 2008، هل تكون الحرب على الإرهاب عاملاً محدداً للرئيس الأمريكي المقبل؟ وبخاصة مع تزايد المطالبات بضرورة الانسحاب من العراق، وتركيز الحرب على الإرهاب في أفغانستان؟

أم أن هذه الحرب ستنتهي بانتهاء حقبة بوش الابن، الذي اتهمته بعض الجهات بشن حرب صليبية جديدة على المنطقة، وهو ما ذهب إلية المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر؟

أخيراً، طالما أنه لا يوجد أفق محدد لما سيؤول إليه سيناريو الحرب على الأرهاب، فهل ستكون هذه أطول حرب في القرن الحادي والعشرين، إلى جانب كونها أولى حروب القرن؟



ليست هناك تعليقات: